منذ طفولتي ولي شغفان: الموسيقى والعمل الإجتماعي!
الموسيقى والغناء، حلمي الجميل الخاص، الذي لم أكن أتخيّل حتى تحقيقه، انا إبنة العائلة الطرابلسية المحافظة، في حين أصبح قطاع الموسيقى ملوّث السمعة بسبب ظواهر الغناء الجديدة والغريبة في العالم العربي.
تجاهل أهلي رغبتي في تعلّم عزف العود والغناء الشرقي في الكونسرفاتوار. فقدت الأمل بتعلم الموسيقى أو التعمق بها. صرت أغني وحدي! وأحياناً في ساعات الفراغ في المدرسة، وبعدها في حفلات واستراحات الجامعة، عندما كانت أصواتنا، أنا والصديق رامي نجّار، تصدح في مبنى الجامعة الهادئ.
العمل الإجتماعي كان شغفًا من نوع آخر. كنت صغيرة عندما كان والدي يعمل في الإشراف االصحي الإجتماعي. وكان يصطحبني أحياناً معه الى مخيّمات للشباب في مختلف المناطق اللبنانية. منذ ذلك الحين وأنا أعلم أن هذا المجال هو ما أحب. إلتزامي بالمبادئ الإنسانية والوطنية، توقي الى التعرف إلى أشخاص جدد، خدمة المجتمع، العمل التطوعي، العمل الجماعي... كلها أشياء كأنها ولدت معي بالفطرة.
لم يكن لدي أية فكرة عن كيفية أن تصبح هذه المبادئ ضمن عملي. أن أتعمق بها وأدرسها لتصبح إختصاصي.
الى أن علمت، خلال زيارة لمجموعة من جامعة القديس يوسف (فرع الشمال) إلى مدرستي، بوجود فرع للمدرسة الإجتماعية التي تقدم شهادة بالمساعدة الإجتماعية. وأكثر من ذلك، التقيت بزملاء والدي في مجال العمل الإجتماعي، من بينهم السيدة أمل مكرزل والدكتورة سميرة بغدادي التي كانت وقتها مديرة المدرسة الاجتماعية في جامعة القديس يوسف في الشمال. وكنت قد التقيت بهما في أكثر من مخيّم تدريبي خلال طفولتي.
هذه المرة أصرّيت على السعي لتحقيق الحلم. كان هناك عائق وحيد ولكن أساسي: أن يتحمّل والدي أقساط جامعة خاصّة. تبدّد هذا العائق سريعاً بسبب دعم إدارة الجامعة. وأصبحت رسميًّا طالبة في جامعة القديس يوسف في طرابلس، فرع المساعدة الإجتماعية. كان هذا في العام 2000.
منذ الأسابيع الأولى للدراسة، أيقنت أن اختياري للجامعة وللإختصاص كان من أهمّ وأصحّ القرارات التي اتخذتها في حياتي.
خلال عامي الثالث في الدراسة، قرأت إعلانًا كانت إدارة الجامعة قد عمّمته على الطلاب، عن دعوة للإنتساب إلى كورال الفيحاء. أثار هذا الإعلان فضولي، وأعاد إحياء الأمل لدي بإمكانية تحقيق حلمي في الغناء. كانت أولويتي آنذاك التخرج من الجامعة وايجاد وظيفة. تأجّلت فكرة التحاقي بكورال الفيحاء الى أن تخرّجت من الجامعة، وسمعت أصداء حفلتهم الأولى على مسرح الرابطة الثقافية في طرابلس.
كنت قد استلمت وظيفتي الأولى في جمعية "منتدى المعاقين" (في وقتها)، أيضًا بدعم من إدارة الفرع في الجامعة. حضرت بروفا لكورال الفيحاء وعلمت منذ اللحظة الأولى أن هذا الفريق هو تحديدًا ما أحتاج إليه لأحقق حلمي في الغناء. كان ذلك خلال شهر كانون الثاني من العام 2004، حين التحقت كمغنّية بكورال الفيحاء.
في عام 2005 إنتقل مركز تدريب كورال الفيحاء إلى مبنى بلدية طرابلس. وكنت أنا قد أسّست مكتب التنمية المحلية في اتحاد بلديات الفيحاء وبدأت العمل على مشاريع اجتماعية في بلديات البداوي والميناء وأخيراً في طرابلس.
حينها كان كورال الفيحاء قد وصل إلى العالمية، وكنت بحكم تواجدي في مبنى البلدية، أساعد المايسترو بركيف تسلاكيان في الأعمال الإدارية للكورال. إلى أن قرّرت عام 2007 التفرّغ لأعمال الكورال وأصبحت رسميًّا المنسقة الإدارية فيه.
لم يشجّعني أحد على قراري وقتها. لا عائلتي، ولا أصدقائي، ولا حتّى أمي الروحية (كما لا زلت أناديها) الدكتورة "سميرة بغدادي" التي اعتبرت أنني قد اعتزلت مجال العمل الإجتماعي.
عام 2009 كان كورال الفيحاء قد وصل إلى العالمية وأصبح واجهة طرابلس ولبنان الحضارية التي تعكس الصورة الحقيقية للتنوع المجتمعي في المدينة والوطن. وقد كانت نقطة تحوّل أساسية في مسيرة كورال الفيحاء، عندما اقترح صديق الكورال "زياد الأيوبي"، مدير مشاريع في منظمة الأمم المتحدة لمشاريع التنمية وقتها، إقترح أن تُنقل تجربة الكورال الناجحة في التلاحم الإجتماعي إلى مشاريع تنموية محلّية مع الشباب، هدفها تطوير المجتمع وحل النزاعات عن طريق الفن والموسيقى وخاصة الغناء الجماعي.
من هنا بدأت مرحلة جديدة في مسيرة كورال الفيحاء، ووجدت نفسي أعود إلى مجال العمل الإجتماعي الذي تخصّصت به في جامعة القديس يوسف. ونفّذنا ولا زلنا، العديد من مشاريع الدعم النفسي والإجتماعي للأطفال والشباب واللاجئين وغيرهم من فئات المجتمع على كافة الأراضي اللبنانية. وأصبحت مشاريع الكورال محط أنظار المنظمات الدولية الإجتماعية والموسيقية، خاصة بعد أن حاز على جائزة الحقوق الموسيقية من المجلس الدولي للموسيقى.
قدر جميل أن أجمع في النهاية، شغفي في الغناء مع شغفي في العمل الإجتماعي. لم يذهب إصراري على الإلتحاق بالجامعة اليسوعية سدى، ولم يتبدّد حلمي في الغناء.
أنا اليوم وبكلّ فخر، خريجة جامعة القديس يوسف، فرع المساعدة الإجتماعية ومغنّية والمنسقة الإدارية لكورال الفيحاء بمشاريعه الموسيقية والإجتماعية.
شكرًا لكل من ساندني ودعمني في هذه المسيرة التي لا تزال في بدايتها. أخصّ بالشكر مديرة جامعة القديس يوسف في طرابلس السيّدة والصديقة فاديا علم على دعمها اللامتناهي حتى اليوم. الدكتورة سميرة بغدادي والمايسترو بركيف تسلاكيان اللّذَين كان لهما الدور الأبرز في حياتي المهنية.
رولا أبو بكر
المنسقة الإدارية لكورال الفيحاء
عضو هيئة إدارية في المجلس الدولي للموسيقى
عضو هيئة إدارية في المنظمة العالمية للغناء الجماعي
Commentaires0
Vous n'avez pas les droits pour lire ou ajouter un commentaire.
Articles suggérés